رحلة مسلسل النص عبر الزمن.. تاريخ نقابة النشالين في مصر

مسلسل النص في دراما رمضان 2025

يلتقي الفن بالتاريخ في مسلسل “النص”، حيث يتقمص الفنان أحمد أمين شخصية عبدالعزيز النص – شيخ النشالين – الذي يؤسس عصابة لسرقة المواطنين خلال فترة الأربعينيات، إبان الاحتلال الإنجليزي. يعتمد العمل على وقائع تاريخية حقيقية، إذ يُعد تحريم النقابة من أوائل الجمعيات السرية التي شهدتها مصر، حيث كانوا يعملون بسرية تامة خوفًا من تدخل السلطات الأمنية.

دراما المسلسل: بين الواقع والخيال التاريخي

أوضح صناع العمل في تصريحاتهم بعد نهاية الحلقة الثانية من المسلسل أن القصة مستوحاة من التاريخ، رغم إدخال لمسات درامية لتعزيز السرد. فقد تم تسليط الضوء على نقابة النشالين التي كان عدد أعضائها يصل إلى خمسة آلاف، ومن بينهم حوالي ألف سيدة، ما يعكس بعدًا اجتماعيًا وثقافيًا هامًا. كما رأى المنتجون أن هذه الجمعيات كانت تكتسي طابعًا مزدوجاً، إذ تحمل بين طياتها مزيجًا من الخير والشر، وهو ما يضفي على القصة طابعًا من التعقيد والواقعية.

مشهد من مسلسل النص في دراما رمضان 2025
مشهد من مسلسل النص في دراما رمضان 2025

مذكرات نشال: نافذة على حياة الماضي

يستوحي المسلسل أحد أركانه من كتاب “مذكرات نشال” للباحث التاريخي أيمن عثمان. تُنشر هذه المذكرات منذ عام 1930 تحت عنوان “قصة انتقادية فكاهية”، وتقدم صورة نقدية لعادات وأخلاق النشالين في تلك الحقبة. يظهر أحمد أمين في دور “شيخ النشالين عبدالعزيز النص” الذي صُوِّت فيه شخصية أكبر نشال في مصر، مما أعطى للعمل بعدًا تاريخيًا وثقافيًا فريدًا.

من نشال تائب إلى بطل شعبي: سرد ثوري تأخذ أحداثه مجرى الصراعات

يروي المسلسل قصة نشال تائب عاش في ثلاثينيات القرن الماضي، ساعيًا للبحث عن مصدر رزق مشروع. ومع تصاعد الأحداث، يجد نفسه في قلب صراعات سياسية معقدة خلال فترة الاحتلال الإنجليزي في الأربعينيات، فيتحول من مجرد لص إلى بطل شعبي يشكل عصابة لسرقة المواطنين. وفي خضم هذه الأحداث المتشابكة، يحاول وكيل النيابة الذي يجسد دوره الفنان صدقي صخر القبض عليه، مما يعكس التوتر بين القوى الظالمة والمقاومة الشعبية.

الجمعيات السرية: أدوات المقاومة وتاريخٌ لا يُنسى

مفهوم الجمعيات السرية ودورها التاريخي

تظهر الجمعيات السرية في أوقات الطغيان والاستبداد والحرمان؛ حيث يشعر الناس بحاجة مُلحة لمقاومة الظلم. كما أشار أدهم في كتابه “الجمعيات السرية”، فإن هذه الجمعيات ليست خيرًا مطلقًا ولا شرًا محضًا، بل تحمل في طياتها درجة معقدة من الخير والشر، قادرة على أن تكون عاملًا للتغيير أو لزعزعة أسس المجتمع.

أوائل الجمعيات: من نادي المدارس العليا إلى ثورة 1919

تعود جذور أول جمعية سرية في مصر إلى إبراهيم الورداني الذي أسس نادي المدارس العليا عام 1905. ومن هنا، انطلقت أنشطة المقاومة التي بلغت ذروتها مع اندلاع ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول. وفي أقل من عام واحد تشكلت تسع جمعيات سرية، من بينها:

  • جمعية اليد السوداء: التي قادها عبدالحليم البيلى وأعضاء من صفوف الطلبة، وركزت على إصدار المنشورات السرية والتهديدات السياسية.
  • جمعية الدفاع الوطني: التي جمعت عددًا أكبر من الأعضاء وعملت على تحريض الشعب ضد السلطة العسكرية.
  • اللجنة المستعجلة والمصري الحر: اللتان استخدمتا المنافذ الإعلامية والمالية لتعزيز الوعي الثوري.
  • جمعية الشعلة وغيرها من الهيئات: والتي ساهمت في كشف أسرار الحكومة والمطالبة بمقاطعة التجار الإنجليز.

وكان نظام التسجيل في هذه الجمعيات يسمح للعضو بالانضمام إلى أكثر من هيئة، مما عزز تبادل الخبرات وتنظيم الخطابات الثورية في الأزهر والكنائس.

الإرث الثوري: تأثير الجمعيات السرية في الحياة السياسية

تسرد روايات تاريخية منسوجة في كتاب “قصة كفاح” لعبدالفتاح عنايت حكايات عن شباب غامروا بحياتهم من أجل تحقيق هدف واحد: إخراج المحتل الإنجليزي من مصر. فقد شُيدت جمعية اليد السوداء بعد نفي سعد باشا ورفاقه، وأصبحت المنظمة الفدائية رمزًا للمقاومة في الشوارع والميادين. من أشهر أعمال هذه الجمعية كانت تنفيذ عمليات اغتيال ضد مسؤولين بريطانيين بارزين، مثل “مستر براون” المراقب العام لوزارة المعارف و”مستر كيف” وكيل حكمدار القاهرة، ما أسفر عن سقوط العديد من الرؤوس البريطانية.

يُظهر هذا التاريخ كيف أن أعمال الجمعيات السرية لم تقتصر على المقاومة العسكرية فحسب، بل تعدّت ذلك لتشكل دعامة أساسية في بناء أسس الحركة الوطنية المصرية وبسط السيطرة على الحياة السياسية حتى بعد انتهاء الاحتلال.

دروس من الماضي لمستقبلٍ واعد

في قلب كل حدث تاريخي تجد عبرةً تُضيء طرق الأجيال القادمة. تُظهر قصة نقابة النشالين وجمعيات المقاومة السرية كيف تمكن أفراد من تحويل الألم والمعاناة إلى قوة دافعة للتغيير الوطني، مما يستمر في إلهام القصص والأعمال الفنية المعاصرة. يظل تاريخ هذه الجمعيات درسًا في الشجاعة والتضحية، ودليلًا على قدرة الشعوب في مواجهة الظلم وتحقيق الاستقلال.

الأكثر قراءة:

رد واحد على “رحلة مسلسل النص عبر الزمن.. تاريخ نقابة النشالين في مصر”

اترك رد

شعار موقع هوسة
شعار موقع هوسة