تربّينا على الخوف من المدينة والحنين إلى القرية، على حب العلم والنيل والجذور، كما رأينا في المسلسلات المصرية.
حدثتنا هذه المسلسلات عن الفلاح المصري الذي لا ينسى أصله، وعن ابن البلد الذي يتمسك بتقاليده ويرفض العيب، وعن الصعيدي الذي تتجسد فيه الرجولة والشهامة والشجاعة والقيم.
كما حدّثتنا عن المثقف الذي يرفض بيع مبادئه للأثرياء الجدد، وعن التاريخ والعدو الذي خضنا ضده حروبًا قدّم فيها آلاف المصريين أرواحهم.
تطرقت أيضًا إلى التصنيع، والطبقة الوسطى، والموظف، والمدرس، والمثالي، لكنها اليوم تبدو وكأنها فقدت بوصلتها، أو أصابها العطب، فانحرفت إلى تصوير عشوائيات المدن بدلاً من النموذج المصري الأصيل.
شيء ما تغيّر في الدراما المصرية، التي لطالما لعبت دورًا في تشكيل وعي الأجيال. أصبح خطابها السوقي هو السائد، وبدأت في الترويج لنماذج كانت على هامش المجتمع، كالبلطجي والراقصة التي تحاضر في القيم.
أما المسلسلات الدينية والسياسية، فتحولت إلى أدوات تزييف للوعي وسلاح سياسي، مبتعدة عن دورها الأصيل في بناء ضمير وطني جامع.
لم نعد نتذكر العدو، فقد شُغلنا بالصراع مع أنفسنا، وكأن من يصوغ وعينا يعمل لصالح خصم خارجي يسعى لتقسيم المجتمع.
فهل فشل نموذج التحديث المصري؟ هل سقطنا في العشوائيات حتى أصبحت النموذج السائد؟ أم أن البوصلة السياسية قد ضاعت، فعجزت الدراما المصرية عن التمييز بين دورها كأداة سياسية ودورها الأعمق في بناء وعي المجتمع وضميره؟
وكأننا نخوض حربًا نفسية ضد أنفسنا. فمن المسؤول عن أزمة الدراما المصرية؟
اترك رد