بعد عام من التعويم.. هل تخطت مصر المرحلة الحرجة؟

الجنيه المصري والدولار

في 6 مارس 2024، أقدمت مصر على خطوة جريئة بتعويم الجنيه للمرة الثانية في أقل من عقد، سعيًا لاستعادة التوازن الاقتصادي في خضم أزمات مُتراكمة. بعد عام من القرار، ومع وصولنا إلى مارس 2025، يكشف الواقع عن تأثيرات مُتعددة: ارتفاع التضخم، تراجع القوة الشرائية، لكن أيضًا بوادر أمل مع زيادة تدفقات النقد الأجنبي. فكيف تتعامل الحكومة مع هذه التحديات؟

1. التضخم القياسي: هل تجاوزت مصر أسوأ المراحل؟

شهد الاقتصاد المصري موجة تضخم غير مسبوقة، حيث فقد الجنيه أكثر من 67% من قيمته مقابل الدولار منذ مارس 2022، وفقًا لبيانات رسمية. أسعار السلع الأساسية والخدمات قفزت بنسبة تصل إلى 40% في بعض القطاعات، مما دفع البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة إلى 32% في محاولة لكبح جماح التضخم.

  • تأثير مباشر: تراجع القوة الشرائية للمواطنين، خاصة الطبقة المتوسطة، مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
  • مفارقة: رغم ارتفاع التضخم، ساهم التعويم في زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 51.3% (29.6 مليار دولار خلال 2024)، وفقًا لتقارير البنك المركزي.

2. الدين العام: العبء الذي يُهدد الموازنة

يُعتبر الدين العام أحد أبرز التحديات، حيث تجاوزت مستحقاته 27 مليار دولار، وفقًا لوزير المالية. هذا العبء يضغط على الموازنة العامة، مع تخصيص نسبة كبيرة من الإيرادات لسداد الفوائد، مما يحد من تمويل المشروعات التنموية.

  • الحلول المطروحة:
  • خفض الإنفاق الحكومي غير الضروري.
  • توسيع القاعدة الضريبية وتحسين الامتثال الضريبي.
  • إلغاء الإعانات غير الفعالة تدريجيًا.

3. أزمة العملة الأجنبية: هل التعويم كافٍ؟

رغم نجاح التعويم في جذب تدفقات أجنبية، والسيطرة على السوق الموازية، والقضاء عليها بنسبة كبيرة، بعد أن كان الدولار وصل في السوق السوداء إلى 70 جنيها، إلا أن مصر ما تزال تعاني من نقص في العملة الصعبة، مما أدى إلى تراكم البضائع في الموانئ ونقص السلع الأساسية. وتُعزى الأزمة إلى:

  • ارتفاع فاتورة الواردات.
  • تأثير الأزمات الجيوسياسية (مثل حرب أوكرانيا) على إمدادات الطاقة.

الخطوات المستقبلية:

  • زيادة الصادرات إلى 100 مليار دولار سنويًا عبر تحسين جودة المنتجات الزراعية والصناعية.
  • تعزيز السياحة كمصدر رئيسي للنقد الأجنبي.

4. القطاع الخاص: شريك في الإنقاذ أم ضحية البيروقراطية؟

تُراهن الحكومة على القطاع الخاص كمحرك للنمو الاقتصادي، لكن البيئة الاستثمارية الحالية تواجه عقبات:

  • تعقيدات إدارية وبيروقراطية.
  • ارتفاع تكاليف الاقتراض بسبب أسعار الفائدة.

الإصلاحات المُعلنة:

  • تبسيط إجراءات تأسيس الشركات.
  • تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP).
  • حوافز ضريبية للمستثمرين الأجانب.

5. الإصلاحات الحكومية: خطة إنقاذ بمرحلتين

أعلنت الحكومة عن خطة إصلاحات مُتكاملة تهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي وتحفيز النمو، تشمل:

  1. ضبط المالية العامة:
  • خفض العجز الكلي إلى 6.3% من الناتج المحلي بحلول 2025.
  • ترشيد الدعم لصالح برامج الحماية الاجتماعية.
  1. تعزيز الصادرات:
  • تطوير المناطق الصناعية وتحسين البنية التحتية.
  • دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
  1. جذب الاستثمارات:
  • طرح مشاريع قانونية جديدة لتحسين مناخ الاستثمار.
  • تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.

6. التحديات الاجتماعية: كيف تحمي الحكومة الفقراء؟

مع ارتفاع الأسعار، تزايدت الضغوط على الفئات الضعيفة. وتسعى الحكومة لتخفيف الأثر عبر:

  • زيادة مخصصات الدعم النقدي (مثل “تكافل وكرامة”).
  • توفير سلع مُدعمة عبر منافذ الدولة.
  • تحسين خدمات التعليم والصحة العامة.

الخلاصة: بين الأمل والواقع

رغم التحديات الهيكلية والضغوط الخارجية، تُظهر الإصلاحات الحكومية إرادة سياسية لإنقاذ الاقتصاد. لكن نجاحها يبقى مرهونًا بتحقيق معدلات نمو حقيقية، وجذب استثمارات فعلية، وتحسين الثقة في السوق المصري. السؤال الذي يبقى: هل ستكون هذه الإصلاحات كافية لاستعادة ثقة المصريين والمستثمرين الأجانب؟

الأكثر قراءة:

4 ردود على “بعد عام من التعويم.. هل تخطت مصر المرحلة الحرجة؟”

اترك رد

شعار موقع هوسة
شعار موقع هوسة