أسرار معبد الرامسيوم .. كنوز تروي حياة الفراعنة

الآثار

من تحت الرمال: معبد الرامسيوم يفتح أبواب أسراره

بين جدران معبد الرامسيوم الشهير غرب الأقصر، تكشف البعثة الأثرية المصرية–الفرنسية المشتركة عن طبقات من التاريخ المخفي. لم تكن هذه المرة مجرد اكتشاف لتماثيل أو نقوش، بل سردٌ حي لحياة يومية عاشها المصريون قبل ثلاثة آلاف عام. من مخابز تُعد الخبز إلى مدارس تُعلم الصغار، تعيد الاكتشافات الجديدة رسم ملامح المجتمع الفرعوني بكل تفاصيله.

“بيت الحياة”: أقدم مدرسة فرعونية تُكسر صمت التاريخ

الاكتشاف الأبرز كان “بيت الحياة”، المدرسة العلمية الملحقة بالمعبد، والتي ظلت طي النسيان قروناً. لم تكن جدرانها تحمل فقط رسومات تعليمية، بل احتفظت ببقايا ألعاب مدرسية وأدوات كتابة، كأنما توقفت الحياة فيها فجأة. يقول د. محمد إسماعيل، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار: “هذا أول دليل مادي على نظام تعليمي منظم داخل المعابد الكبرى، يُظهر كيف كانت المعرفة تُنقل للأجيال”.

من المطبخ إلى المخزن: تفاصيل تكشف اقتصاداً فرعونياً متقدماً

في الجهة الشمالية من المعبد، تكشف الأقبية عن نظام تخزين مُحكم: جرار ضخمة حُفظ فيها زيت الزيتون والعسل والدهون، وأخرى خُصصت للنبيذ، كما تدل الملصقات المكتشفة. أما الورش المجاورة فتحكي قصة حرفيين مهرة؛ من نسيج تُحاك خيوطه بحرفية إلى أحجار تُنحت بدقة. وكأن المعبد لم يكن مكاناً للعبادة فحسب، بل “مدينة صناعية” صغيرة تُدار بعقلانية، وفقاً لتوصيف د. إسماعيل.

مقابر من عصر الانتقال الثالث: توابيت داخل توابيت وتماثيل “أوشابتي”

أسفرت الحفائر عن مقابر تعود إلى عصر الانتقال الثالث (حوالي 1070–664 ق.م)، تضم توابيت مُتداخلة بحالة حفظ مدهشة، إلى جانب 401 تمثال “أوشابتي” فخاري – تلك التماثيل الصغيرة التي كان يُعتقد أنها تخدم الموتى في العالم الآخر. الاكتشافات الجنائزية، مع أدواتها الكانوبية، تقدم رؤية نادرة عن تطور طقوس الدفن عبر العصور.

إعادة اكتشاف مقبرة “سحتب أيب رع”: لوحات جنائزية تعود للدولة الوسطى

بين الاكتشافات المثيرة، أعادت البعثة الكشف عن مقبرة “سحتب أيب رع” التي اكتُشفت أولاً عام 1896، لكنها ظلت مُهملة. المناظر الجنائزية على جدرانها، والتي تعود للدولة الوسطى (حوالي 2055–1650 ق.م)، تُظهر تفاصيل مراسم الدفن بلمسات فنية أخّاذة، مؤكدةً أن الموقع كان مأهولاً حتى قبل تشييد الرامسيوم في عصر رمسيس الثاني.

الرامسيوم: أكثر من معبد.. مركز إشعاع حضاري

تؤكد الاكتشافات الجديدة ما اشتبه فيه الأثريون طويلاً: أن الرامسيوم لم يكن مجرد صرح ديني، بل مركزاً لإدارة موارد المنطقة، حيث تُخزن المنتجات الزراعية وتُوزع على الحرفيين في دير المدينة المجاورة. كما يكشف التخطيط المعماري عن وجود مكاتب إدارية متطورة، تدير شؤون مجتمع يعمل بتناغم تحت السلطة الملكية.

الأكثر قراءة:

اترك رد

شعار موقع هوسة
شعار موقع هوسة