اليوم، 10 فبراير 2025، بدأ الأقباط الأرثوذكس في مصر صوم يونان، أحد الأصوام ذات الطابع الروحي الفريد في الكنيسة القبطية. يمتد هذا الصوم لمدة ثلاثة أيام، ويُختتم يوم الخميس 13 فبراير باحتفال يُعرف بـفصح يونان، الذي يحمل رمزية عميقة لـ”العبور” من الموت إلى الحياة، مُستلهمًا قصة النبي يونان وتشبيهها بقيامة المسيح .
موعد الصوم وارتباطه بالتقويم القبطي
يأتي صوم يونان قبل الصوم الكبير بحوالي 15 يومًا، وفقًا للتقويم القبطي، حيث يبدأ هذا العام في 10 فبراير (3 أمشير 1741 قبطية) وينتهي في 13 فبراير (6 أمشير). يُعتبر هذا الصوم جزءًا من أصوام “الدرجة الأولى” التي تشمل أيضًا الصوم الأربعيني وأسبوع الآلام، والتي تمنع فيها الكنيسة تناول الأسماك تمامًا، مثلما يحدث في صوم يونان .
الطقوس: بين الانقطاع والتأمل
يتميز صوم يونان بـالصوم الانقطاعي، حيث يمتنع المؤمنون عن الطعام والشراب من منتصف الليل حتى غروب الشمس، مع الاكتفاء بـالأطعمة النباتية فقط بعد الإفطار، وتجنب اللحوم والأسماك ومشتقات الألبان .
خلال الأيام الثلاثة، تُقام قداسات يومية في الكنائس، تُقرأ فيها قصة النبي يونان كاملةً من الكتاب المقدس، إلى جانب صلوات خاصة مثل “كيرياليسون” طلبًا للرحمة والمغفرة . كما يُشجع الأقباط على ممارسة الأعمال الخيرية والتأمل في أخطائهم كجزء من عملية التوبة .
الرمزية الدينية: من يونان إلى المسيح
ترى الكنيسة في قصة يونان النبي، الذي مكث في بطن الحوت ثلاثة أيام، رمزًا لـموت المسيح وقيامته في اليوم الثالث. وقد أكد القديسون أن هذه القصة تُشير إلى “العبور” من الظلام إلى النور، وهو ما يتجسد في مفهوم “الفصح” الذي يُستخدم أيضًا لوصف قيامة المسيح .
كما يُذكر الصوم بـتوبة أهل نينوى الذين استجابوا لدعوة يونان، مما يعكس أهمية التوبة الجماعية والفردية في الحياة الروحية .
الأهمية الروحية والاجتماعية
لا يقتصر صوم يونان على الامتناع عن الطعام، بل هو فرصة لتجديد العلاقة مع الله عبر الصلاة والتأمل. يُعتبر تمهيدًا روحيًا للصوم الكبير، حيث يُهيئ المؤمنين لخوض رحلة الـ55 يومًا المقبلة بأذهان صافية وقلوب متوبة .
من الناحية الاجتماعية، يُعزز الصوم قيم التعاطف والتضامن، حيث يُشارك المؤمنون في أعمال خيرية، مما يُعمق الروابط المجتمعية .
فصح يونان: احتفال بالخلاص
يُختتم الصوم بـفصح يونان، الذي يُقام فيه قداس خاص يُعبّر عن الفرح بالخلاص الروحي، مُستلهمًا نجاة يونان من بطن الحوت وقيامة المسيح. هذا الاحتفال يُذكّر المؤمنين بـ”العبور” من الخطيئة إلى النقاء، وهو ما يجعل منه لحظة محورية في التقويم الليتورجي القبطي .
صوم يونان ليس مجرد امتناع عن الطعام، بل هو رحلة داخلية تهدف إلى تطهير الروح واستعادة التوازن الإيماني. بطلته قصة يونان تُلهم المؤمنين بالتوبة، بينما طقوسه تُعيد ربطهم بجذورهم الدينية العميقة. في زمن يمتلئ بالماديات، يظل هذا الصوم منارةً للروحانيات، يجسد قيم التواضع والأمل في غفران الله.
اترك رد