النوم والصحة النفسية والجسدية: حقائق علمية مدهشة حول أهميته وآثاره

النوم المريح - أرشيفية

لا يخفى على أحد أن النوم عنصر أساسي في صحتنا العامة، إذ يمنح العقل والجسم فرصة للراحة والتعافي من ضغوط الحياة اليومية، ويؤثر بشكل مباشر على صحتنا النفسية والبدنية. ورغم أن قلة النوم المزمنة تترك آثارًا عميقة على المدى الطويل، فإن قلة النوم حتى لفترات قصيرة قد تؤثر سلبًا على إنتاجيتك، ومشاعرك، وقدرتك على الإبداع.

يقول “ريان سلطان”، أستاذ مساعد في الطب النفسي السريري بجامعة كولومبيا والمدير الطبي لمركز Integrative Psych:
«الحرمان المزمن من النوم يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب والقلق، كما أن اضطرابات النوم قد تزيد من حدة المشكلات النفسية القائمة. كذلك، يؤثر نقص النوم على الوظائف المعرفية مثل التركيز واتخاذ القرار وحل المشكلات، ما يؤدي إلى زيادة التوتر وتدهور الصحة النفسية. كما يصبح الأشخاص المحرومون من النوم أكثر عرضة للاستجابات العاطفية السريعة والسلبية».

ومع الأسف، كشفت تحليلات حديثة أن ما يقارب 30٪ من البالغين يواجهون صعوبة في النوم أو الاستمرار فيه، بينما يعاني أكثر من 27٪ منهم من النعاس أثناء النهار. وتُصنّف قلة النوم عالميًا على أنها أزمة صحية عامة، نظرًا لأهميته الحيوية في الحفاظ على الصحة.

كم نحتاج من النوم فعلًا؟

وحسب موقع «helpguide» تختلف حاجة الإنسان للنوم باختلاف العمر. فمثلًا، يحتاج الرضع إلى ما بين 12 و16 ساعة يوميًا (بما في ذلك القيلولة)، بينما يحتاج البالغون ممن تجاوزوا 18 عامًا إلى سبع ساعات على الأقل يوميًا. وعلى عكس الاعتقاد السائد بأن كبار السن يحتاجون إلى نوم أقل، فإن المعهد الوطني الأمريكي للشيخوخة يؤكد أن البالغين الأكبر سنًا لا يزالون بحاجة إلى 7 إلى 9 ساعات من النوم كل ليلة.

إلا أن الإحصاءات تُظهر أن 32.8٪ من البالغين لا يحصلون على القدر الكافي من النوم، مع ارتفاع طفيف بين الذكور (33.4٪) مقارنة بالإناث (32.2٪). ورغم أن بعض الدراسات تشير إلى أن النساء ينامن أكثر من الرجال، فإن الفارق عادة لا يتجاوز 30 دقيقة يوميًا. وتشير الدراسات إلى أن سوء النوم المستمر يمكن أن يقلل متوسط عمر النساء بمقدار 4.7 سنوات، و2.4 سنوات للرجال.

وضعيات النوم وتأثيرها على الجودة

تختلف أوضاع النوم من شخص لآخر، وكثير من الناس يتحركون خلال الليل بين أوضاع مختلفة مثل النوم على الظهر، أو على البطن، أو على الجانب الأيمن أو الأيسر. وفي دراسة أُجريت عام 2022 حول تأثير وضعية النوم على جودته، تبيّن أن الذين يفضلون النوم على الجانب الأيمن (15٪) أبلغوا عن أعلى جودة نوم، يليهم من ينامون على الجانب الأيسر (31٪)، ثم من ينامون على الظهر (54٪). ومع ذلك، لا تزال هذه النتائج بحاجة إلى دراسات أوسع لتأكيدها.

من جهة أخرى، قد يؤثر نوع المرتبة (المَرتبة) على الراحة وجودة النوم، لذا يُنصح باختيار مرتبة مناسبة لوضعية النوم المفضلة ونوع الجسم، خاصة عند الشعور بعدم الارتياح أثناء الليل.

اضطرابات النوم: أعراض ومخاطر

تحدث اضطرابات النوم عندما تتأثر جودة النوم أو توقيته أو مدته بشكل يُعيق النشاط اليومي المعتاد. وغالبًا ما ترتبط هذه الاضطرابات بمشكلات طبية ونفسية أخرى. ويُقدّر أن ما بين 50 إلى 70 مليون أمريكي يعانون من اضطرابات نوم مزمنة.

أكثر اضطرابات النوم شيوعًا:

  • الأرق (Insomnia): يصيب نحو 25 إلى 30 مليون شخص في الولايات المتحدة، ويشمل صعوبة في بدء النوم أو الاستمرار فيه أو الحصول على نوم مريح.
  • النوم القهري (Narcolepsy): يصيب نحو 200 ألف شخص، وهو اضطراب عصبي يُضعف قدرة الدماغ على تنظيم دورة النوم واليقظة. وقد ينام المصابون فجأة أثناء الأنشطة اليومية ويعانون من ضعف في العضلات.
  • متلازمة تململ الساقين (RLS): تظهر أكثر من 3 ملايين حالة سنويًا، وهي اضطراب عصبي يسبب شعورًا غير مريح في الساقين ورغبة قوية في تحريكهما، وغالبًا ما تزداد هذه الأعراض ليلًا.
  • انقطاع التنفس أثناء النوم (Sleep Apnea): يؤثر على نحو 30 مليون شخص، إلا أن 6 ملايين فقط تم تشخيصهم رسميًا.

اضطرابات أخرى أقل شيوعًا:

  • اضطرابات إيقاع الساعة البيولوجية: وهي حالات تؤثر على النظام الطبيعي للنوم والاستيقاظ، كاضطراب النوم الناتج عن نوبات العمل الليلية.
  • الباراسمينيا (Parasomnia): تشمل سلوكيات مثل المشي أثناء النوم، الكوابيس، شلل النوم، ونوبات الذعر الليلي، حيث يبدو الشخص مستيقظًا لكنه في الواقع غير واعٍ.

انقطاع التنفس أثناء النوم: ما يجب معرفته

انقطاع النفس يحدث عندما لا يتمكن الشخص من إدخال وإخراج الهواء بشكل كافٍ أثناء النوم. ويُقسم إلى نوعين:

  • الانقطاع الانسدادي: يحدث عندما ينسد مجرى التنفس العلوي.
  • الانقطاع المركزي: يحدث بسبب خلل في الإشارات العصبية من الدماغ المسؤولة عن التنفس، ويرتبط بمشكلات قلبية أو سكتات دماغية أو استخدام أدوية الأفيون.

ما يقارب 15٪ من الأمريكيين يعانون من هذا الاضطراب، وتزيد مخاطره مع السمنة، والتقدم في العمر، والتاريخ العائلي، ونوع الجنس (ذكور أكثر عرضة). من علامات الإنذار: الشخير، واللهاث أثناء النوم، والشعور بالنعاس المفرط خلال النهار.

الحرمان من النوم: الأسباب والنتائج

يحدث الحرمان من النوم عندما لا يحصل الشخص على القدر الكافي من النوم، ويشمل ذلك النوم السيئ الجودة أو النوم في أوقات غير مناسبة (كفترة النهار). وتُعد اضطرابات النوم، وبعض الأدوية، واستهلاك الكافيين أو المنبهات من أبرز الأسباب. كما قد يلجأ البعض عمدًا لتقليل ساعات النوم لأسباب شخصية أو مهنية.

واحدة من كل خمس حالات بين البالغين تُعاني من النعاس أثناء النهار، وهو ما يرتبط غالبًا بالحرمان من النوم، ويُعرّف بأنه صعوبة في البقاء مستيقظًا رغم الرغبة في ذلك.

النوم المريح - أرشيفية
النوم المريح – أرشيفية

النوم والصحة العامة: علاقة مترابطة

يرتبط النوم الجيد بصحة الذاكرة والتركيز والمزاج. وتشمل المشكلات الصحية الناتجة عن سوء النوم:

  • ارتفاع ضغط الدم: الخطر يتراوح بين 5 إلى 20٪.
  • السكري من النوع الثاني: خطر الإصابة يقارب 57٪.
  • النوبات القلبية وأمراض القلب التاجية: بنسبة تصل إلى 55٪.
  • خلل في الهرمونات المسؤولة عن الشهية، ما قد يؤدي إلى زيادة الوزن والسمنة.

يقول الدكتور “راكيش ألفا”، أخصائي النوم في نورث كارولاينا:
«للنوم تأثير مباشر على الصحة النفسية والحالات الطبية الأخرى مثل أمراض القلب والكلى والسكري. إذ يعاني مرضى انقطاع النفس من تقلبات في نسبة الأوكسجين تؤثر سلبًا على القلب».

كيف نحسن جودة نومنا؟

ممارسة عادات نوم صحية تُعد خطوة ضرورية لتحسين جودة النوم. وقد وجدت دراسة حديثة أن 76.5٪ من الأشخاص الذين لا يلتزمون بهذه العادات يعانون من مشاكل في النوم، منها الأرق والنعاس أثناء النهار، كما رُصدت معدلات اكتئاب أعلى بين هؤلاء الأشخاص.

النوم المريح - أرشيفية
النوم المريح – أرشيفية

تقول “ستيفاني ديكسون”، مقدمة رعاية صحية في نظام Cone Health:
«إذا كنت ترغب في تحسين صحتك النفسية، فعليك أن تعطي النوم أولوية قصوى. يساعد الالتزام بروتين نوم ثابت، والحد من الكافيين والشاشات، وتوفير بيئة نوم هادئة، في تعزيز النوم وتحسين الحالة النفسية. فالعقل والجسم مترابطان، والعناية بالصحة الجسدية تنعكس إيجابًا على الصحة النفسية أيضًا».

وتضيف:
«من الضروري استشارة الطبيب عند مواجهة صعوبات في النوم، فقد تكون هناك مشكلة كامنة مثل انقطاع التنفس أثناء النوم».

وفي الختام، تقول “ديكسون”:
«الحصول على قسط كافٍ من النوم أمر أساسي للحفاظ على نمط حياة صحي. فالنوم يمنح الجسم الفرصة للتعافي والإصلاح والعمل بكفاءة، ما يدعم الصحة العامة على المدى البعيد».

الأكثر قراءة:

اترك رد

شعار موقع هوسة
شعار موقع هوسة