من السواد إلى النور.. كيف يعيش الأقباط أسبوع الآلام؟

صورة تعبيرية لآلام المسيح

أسبوع يوقف الزمن.. عندما تتحول الكنائس إلى فضاءات للتأمل

يحيي الأقباط الأرثوذكس حاليًّا “أسبوع الآلام”، الذروة الروحية للتقويم الكنسي، والذي يُعتبر الأقدس بين أسابيع السنة. فمنذ قرون، يتفرغ المؤمنون خلاله للعبادة والصوم، متخلين عن كل مظاهر الفرح، في رحلةٍ روحية تذكّرهم بآلام السيد المسيح تمهيدًا للقيامة. وتتحوّل الكنائس إلى مساحاتٍ ملبدة بالحزن: أعمدة مُغطاة بالسواد، أيقونات مُجلّلة بالأسود، وألحان كئيبة تعكس عمق الحدث.

من ثيؤدوسيوس إلى العصر الحديث.. عطلةٌ للعبادة لا للراحة

وحسب تاريخ الكنيسة، لم تكن عطلة “أسبوع الآلام” مجرد تقليد كنسي، بل جزءًا من التشريعات القديمة. فالإمبراطور الروماني ثيؤدوسيوس الكبير (قرن ٤ ميلادي) كان يُعلن عطلةً عامة، ويُطلق سراح السجناء ليشاركوا الصلوات، بينما يمنع السادة عمل العبيد، تأكيدًا على حق الجميع في العبادة. وحتى اليوم، تُحافظ الكنيسة القبطية على هذه الروح، داعية المؤمنين إلى تكريس الوقت للكنيسة، بعيدًا عن مشاغل الحياة، في ممارسةٍ تُعيد تعريف مفهوم “العطلة” من الراحة الجسدية إلى التجديد الروحي.

الكنيسة تُناجي الآلام.. قراءات وألحان تلامس الأعماق

اختارت الكنيسة نصوصًا إنجيلية ولاهوتية خاصة لهذا الأسبوع، تركّز على علاقة الله بالإنسان عبر مشاهد الآلام. وتتخلل الصلوات ألحانٌ عميقة تُسمى “الأنغام الحزينة”، تتناغم مع قراءات من سفر إشعياء ونشيد الأنشاد، لتوجيه المشاعر نحو التأمل في تضحية المحبة. كما تُلغي النساء كل مظاهر الزينة، وتُحظر الاحتفالات، في إطار “شركة آلام” جماعية مع المسيح.

“لا عمل سوى العبادة”.. قوانين الرسل التي تجمع السادة والعبيد

يرجع التشديد على تكريس الأسبوع للصلاة إلى “قوانين الرسل” القديمة، التي أوجبت منح الخدم والعبيد عطلة كاملة للعبادة، لا لخدمة أسيادهم. وترى الكنيسة أن المساواة في الحق الروحي أساسية، حتى في ظل أنظمة الاستعباد القديمة. وقد لخّصت ذلك بإحدى وصاياها: “لا تصنع عملاً ما.. أنت وعبدك وأمتك”، في إشارة إلى أن الخلاص لا يُبنى على حرمان الآخرين من القداسة.

من السواد إلى النور.. رحلة أسبوع تنتهي ببشرى القيامة

رغم الحزن الظاهر، يحمل الأسبوع بُعدًا رجائيًّا: فالسواد المُعلّق على الجدران، والألحان الهادئة، ما هي إلا تمهيدٌ لانتصار النور في عيد القيامة. وتُختتم الصلوات مساء السبت بـ”قداس النور”، حيث تُضاء الشموع وتتحول الأجواء من الحداد إلى البهجة، في إعلانٍ رمزي عن انتصار الحياة على الموت.

الأكثر قراءة:

تواصل معناتواصل معنافبراير 6, 2025فريق هوسة
من نحنمن نحنفبراير 3, 2025فريق هوسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شعار موقع هوسة
شعار موقع هوسة