في قلب الأسبوع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، يتربع يوم خميس العهد بمكانة فريدة. إنه اليوم الذي تتجه فيه الأنظار والقلوب نحو ذكرى العشاء الأخير، تلك اللحظات الفارقة التي جمعت السيد المسيح بتلاميذه الأطهار قبل آلامه وصلبه. يحمل هذا اليوم في طياته دلالات روحية عميقة وطقوسًا مميزة تجسد آخر ساعات حياة المسيح على الأرض قبل معاناته الكبرى.
استحضار وقائع العشاء الأخير: قراءات ورموز
تبدأ فعاليات خميس العهد باستحضار تفاصيل العشاء الأخير من خلال تلاوة نصوص الإنجيل التي تروي هذه الواقعة المحورية. تُعيد هذه القراءات إلى الأذهان كيف أقام الله عهدًا جديدًا مع شعبه عبر مائدة البركات. وتُركز الكلمات المقدسة على اللحظة التي أسس فيها المسيح هذا العهد مع تلاميذه المقربين.
ويتضمن هذا الاستحضار الإشارة إلى التواضع والمحبة، ويتجلى ذلك بوضوح في ذكرى غسل السيد المسيح لأقدام تلاميذه. هذا الفعل الرمزي يمثل قمة التواضع والمحبة الخالصة التي أظهرها المسيح لأتباعه، ليصبح مثالًا يحتذى به في الخدمة والعطاء المتبادل.
اقرأ المزيد عن: البابا تواضروس الثاني يقود احتفالات ‘أحد الشعانين’ بالإسكندرية.. رحلة روحية من السعف إلى الصليب
سر القربان المقدس: جوهر خميس العهد الروحي
يُقام في يوم خميس العهد القداس الإلهي الذي يحمل أهمية خاصة، حيث يتم التأكيد على سر القربان المقدس. وخلال هذا القداس، تُروى قصة توزيع الخبز والخمر على التلاميذ، وهما الرمزان المقدسان لجسد ودم المسيح. يُنظر إلى هذا الفعل كتجسيد للعهد الجديد الذي أقامه المسيح مع البشرية جمعاء.
تُعتبر هذه الخدمة الروحية العميقة فرصة للمؤمنين للتأمل في روحانيات وسر هذا الحدث المقدس. إنها دعوة للتفكر في معنى الفداء والتجديد الروحي الذي تحقق من خلال المسيح، واستلهام قيم المحبة والتسامح والالتزام بتعاليمه السامية.
طقوس ورموز تعزز القدسية والروحانية
يتميز خميس العهد بطقوس ورموز خاصة تضفي عليه جوًا من الجلال والسرور الروحي. يرتدي الكهنة والاحتفاليون في هذا اليوم ملابس طقسية خاصة تليق بقدسية المناسبة. كما تُستخدم البخور والشموع كرموز للنور الإلهي والروحانية العالية، مما يخلق أجواءً روحانية مؤثرة في الكنائس.
وتُصاحب هذه الخدمة إيقاعات وترانيم خاصة تحمل في كلماتها معاني العهد والمحبة الإلهية. تعمل هذه الترانيم على تهيئة قلوب المؤمنين واستعدادهم الروحي لاستقبال أيام الأسبوع المقدس القادمة، والتي تحمل في طياتها ذكرى آلام المسيح وقيامته المجيدة.
أبعاد روحية ومعنوية عميقة
يحمل خميس العهد أبعادًا روحية ومعنوية تتجاوز مجرد الذكرى التاريخية. إنه مناسبة لتجديد تجسيد العهد الجديد بين المؤمن والله. يُذكّر المؤمنون في هذا اليوم بالعهد الذي أقامه المسيح مع تلاميذه، وبالضرورة الملحة لاتباع تعاليمه القائمة على المحبة والتواضع والخدمة.
وبالإضافة إلى البعد الفرحي المرتبط بتأسيس سر القربان، يبرز هذا اليوم جانبًا من التحضير لمعاناة المسيح القادمة. إنه يمهد النفوس تدريجيًا لاستقبال أحداث الجمعة العظيمة وما يليها من فرحة القيامة، ليصبح خميس العهد نقطة تحول مهمة في رحلة الأسبوع المقدس.
في الختام، يمثل خميس العهد محطة أساسية في التقويم القبطي الأرثوذكسي، حيث تتداخل فيه معاني الفداء والمحبة والتواضع والخدمة. ومن خلال الطقوس والقراءات والتأملات، يدعو هذا اليوم المؤمنين إلى تعميق علاقتهم الروحية بالله والتفكر في سر القربان المقدس كرمز أبدي للعهد الإلهي.
اترك رد