في مثل هذا اليوم 9 مارس من كل عام، يحتفل الأقباط الأرثوذكس بذكرى نياحة البابا كيرلس السادس، البابا الـ116 للكنيسة القبطية، الذي ترك إرثًا روحيًا وعالميًا لا يُنسى. وُلد “عازر يوسف عطا” في 2 أغسطس 1902 بمدينة دمنهور لأسرة تقية، حيث نال تربية دينية عميقة. التحق بالكلية الإكليريكية بالإسكندرية، وعمل في شركة ملاحة قبل أن يقرر ترك العالم مُتَّجهًا إلى الرهبنة عام 1927، رغم معارضة أسرته والأنبا يوأنس مطران البحيرة آنذاك.
رحلته نحو الرهبنة والوحدة
في 27 يوليو 1927، دخل دير البراموس باسم الراهب “مينا”، وتمت رسامته قسًا في 18 يوليو 1931. بعد خمس سنوات، اختار حياة الوحدة في مغارة ثم طاحونة مهجورة بمصر القديمة، حيث عُرف بتقشفه الشديد وصداقته مع ذئب كان يزوره يوميًا. تحوَّلت الطاحونة لاحقًا إلى مزار روحي بمساعدة المحبين، ما يعكس تجذُّر الإيمان في قلوب المؤمنين.
إنجازات بارزة في حِبريته
تولى البابا كيرلس السادس الكرسي البابوي عام 1959، وشهد عصره أحداثًا تاريخية، منها:
- تجلي العذراء في الزيتون (1968-1970): حيث شهد آلاف المصريين، مسيحيين ومسلمين، ظهور السيدة العذراء فوق كنيستها بحي الزيتون، مصحوبًا بمعجزات شفاء.
- استعادة رفات مار مرقس الرسول (1986): بعد غياب 11 قرنًا، عادت رفات كاروز مصر إلى أرضها وسط احتفالات كبرى.
- التواصل مع الكنائس العالمية: رأس مؤتمر الكنائس اللاخلقيدونية في أديس أبابا (1965)، وعزَّز العلاقات مع أثيوبيا برسامة الأنبا باسيليوس بطريركًا لها.
إرثه الأفريقي والعالمي
اهتم البابا كيرلس السادس بتوسيع العمل الكرازي في أفريقيا، فأرسل بعثات تبشيرية، وأنشأ قسمًا للدراسات الأفريقية بالمعهد القبطي. كما دعم وجود الأقباط في أوروبا، وساهم في حفظ أملاك الكنيسة بالقدس عبر تعيين مطران للكرسي الأورشليمي.
نياحته ووصيته
تنيَّح البابا في 9 مارس 1971 بعد صراع مع المرض، ودُفن تحت مذبح كاتدرائية دير مار مينا بمريوط تحقيقًا لوصيته. رغم قصر فترة حبريته (11 عامًا)، إلا أن إنجازاته غيَّرت ملامح الكنيسة القبطية، مُخلِّدًا اسمه كأحد أعظم الباباوات في العصر الحديث.
اليوم، تُحيي الكنيسة ذكرى نياحته بتأملات في إرثه الروحي، ودوره في تعميق الهوية الأرثوذكسية، وتأكيد وحدة الكنيسة عبر العصور.
اترك رد