شادية، التي احتفظت بصورة “الفتاة الدلوعة” في أذهان الجمهور، لم تكن مجرد نجمة سينما أو صوتًا عذبًا، بل كانت إنسانةً حملت هموم الآخرين كأنها همومها، وتركت بصمةً إنسانيةً تُحكى حتى بعد رحيلها، وبمناسبة ذكرى ميلادها اليوم، نستعرض بعضا من حكاياتها وجوانب حياتها الإنسانية.
1. أمومةٌ لم تُرزق بها.. فوهبتها للأيتام
رغم حرمانها من نعمة الأمومة بعد إجهاضها مرتين وتأكيد الأطباء على خطورة الحمل على حياتها، قررت شادية أن تعيش أمومة الروح. فبعد اعتزالها الفن عام 1984، كرست حياتها لرعاية الأطفال الأيتام، وتبنّت عاطفة الأمومة تجاههم، فكانت تُنفق عليهم وتُشاركهم تفاصيل حياتهم، حتى أطلق عليها نجل طليقها “ماما شادية” بعد أن احتضنته وأولاده عقب وفاة والدتهم.
2. تبرعاتٌ خيرية.. إرثٌ من العطاء
- منزلٌ للعلاج: بعد صراعها مع سرطان الثدي واستئصال أحد ثدييها، تبرعت بمنزلها الخاص ليكون مركزًا لأبحاث السرطان، لمساعدة المرضى الذين عانت مثل آلامهم.
- مرتبها للعمال: في مسرحية “ريا وسكينة”، حصلت على 10 آلاف جنيه مقابل ظهورها التلفزيوني، لكنها وزعت المبلغ كاملًا على العمال الذين ساهموا في العمل، قائلةً: “هم يستحقون أكثر مني”.
- تبرعاتٌ سرية: بعد اعتزالها، تبرعت بكل مدخراتها الفنية للجمعيات الخيرية، مؤكدةً: “لا أريد أن أترك مجالًا للريبة في نواياي”.
3. مواقفُ إنسانية.. بين البساطة والتضحية
- قطار الرحمة: في خمسينيات القرن الماضي، شاركت في مبادرة “قطار الرحمة” لجمع التبرعات لإعادة تسليح الجيش المصري بعد نكبة 1948، حيث سافرت مع فنانيين عبر أنحاء مصر، وهناك تعرفت على زوجها الأول، الفنان عماد حمدي.
- اعتذارٌ لطليقة زوجها: اتصلت شادية بزوجة عماد حمدي السابقة، فتحية شريف، لتعترف بخطئها في الزواج منه دون علمها، فتحولت العلاقة بينهما إلى صداقة حميمة.
- رفضٌ للموضة المُبتذلة: كانت ترفض ارتداء “الميني جيب” أو “الشورت” في أفلامها، مؤكدةً التزامها بالاحتشام رغم ضغوط المنتجين.
4. اعتزالٌ مبكر.. رحلةٌ نحو الروحانيات
قررت شادية اعتزال الفن في قمة مجدها عام 1984، قائلةً: “أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لي”. وقد جاء قرارها بعد لقاءٍ مع الشيخ محمد متولي الشعراوي أقنعها بأداء فريضة الحج وارتداء الحجاب. لم يكن الاعتزال هروبًا، بل تحولًا نحو حياةٍ زاهدةٍ كرستها للعبادة ورعاية المحتاجين.
5. فنٌّ خالد.. وإرثٌ إنساني
قدمت شادية 112 فيلمًا و10 مسلسلات إذاعية، وأغنياتٍ وطنيةً مثل “يا حبيبتي يا مصر” التي أصبحت نشيدًا للثورة المصرية عام 2011. لكن إرثها الحقيقي تجسد في:
- الشفافية: رفضت التلاعب بصورتها الفنية، فاختارت الرحيل قبل أن تظهر عليها علامات الزمن.
- التواضع: رغم لقب “معبودة الجماهير”، بقيت قريبةً من الناس، تزور المرضى وتدعم الأسر الفقيرة.
- القوة: واجهت المرض بابتسامة، وقالت: “السرطان علمني أن الحياة هبةٌ لا تُهدر”.
شادية.. درسٌ في الإنسانية
رحلت “دلوعة السينما” جسدًا في 2017، لكن روحها باقيةٌ في كل فعلٍ خيرٍ صنعته. كانت مثالًا للفنانة التي حوّلت شهرتها إلى منصةٍ للعطاء، وبرهنت أن الفن الحقيقي لا ينفصل عن القيم الإنسانية. كما قالت ذات يوم: “الفن رسالةٌ، وإذا لم تكن نيتك صافيةً، فالأضواء لن تنفعك”.
اترك رد