أوراق الضغط الأمريكية على المملكة العربية السعودية
تشهد العلاقات الأمريكية السعودية تقلبات مستمرة، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2025، حيث تبرز أدوات ضغط واشنطن على الرياض لتحقيق أهدافها الجيوسياسية والاقتصادية. تعتمد الولايات المتحدة على مجموعة من الأوراق، بدءاً من الاستثمارات مروراً بالملف النووي وصولاً إلى القضية الفلسطينية، لفرض سياساتها.
1. الاستثمارات كأداة ضغط رئيسية
أعلنت السعودية في يناير 2025 عن نيتها استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة، لكن ترامب طالب برفع المبلغ إلى تريليون دولار، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة كانت جيدة معهم” . يُعد هذا الطلب جزءاً من استراتيجية أمريكية لربط الدعم السياسي والأمني بحجم الاستثمارات السعودية. ففي عهد ترامب السابق (2017–2021)، وقّعت الرياض اتفاقيات بقيمة 460 مليار دولار، منها 110 مليارات للأغراض العسكرية، لكن جزءاً كبيراً منها لم يُنفذ بسبب تعقيدات الكونغرس . اليوم، تُستخدم هذه الاستثمارات كورقة ضغط لدفع السعودية نحو تنازلات سياسية، مثل التطبيع مع إسرائيل أو دعم سياسات أمريكا في المنطقة.

2. التطبيع مع إسرائيل كشرط للاتفاقيات الدفاعية
تطالب السعودية بوضع اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة تُعزز أمنها، لكن واشنطن تربط هذا المطلب بالتطبيع الكامل مع إسرائيل. وفقاً لتحليلات، أصرت الإدارة الأمريكية السابقة (بايدن) على ربط أي اتفاق دفاعي بالتطبيع، لكن اندلاع حرب غزة عام 2024 عقد الموقف . الآن، يُشترط على الرياض تقديم تنازلات في القضية الفلسطينية، مثل التخلي عن شرط إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وهو ما ترفضه السعودية حتى الآن .
3. الملف النووي السعودي
تسعى السعودية للحصول على دعم أمريكي لبرنامجها النووي السلمي، لكن واشنطن تفرض قيوداً صارمة، خاصة فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، بسبب مخاوف إسرائيل من سباق نووي إقليمي . تُستخدم هذه القضية كأداة ضغط لإجبار الرياض على التوافق مع السياسات الأمريكية، مثل الحد من التعاون مع الصين وروسيا في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا .
4. الضغط عبر تقويض التحالفات الإقليمية
تعمل الولايات المتحدة على تقليل النفوذ الصيني والروسي في الخليج، حيث تُهدد علاقات السعودية الوثيقة مع بكين وموسكو بالمصالح الأمريكية. في 2023، بلغ التبادل التجاري السعودي الصيني 120 مليار دولار، مقارنة بـ30 ملياراً مع الولايات المتحدة . تستغل واشنطن هذا الخلل لدفع الرياض إلى تقليل اعتمادها على الشركاء المنافسين، عبر تهديدات غير مباشرة بتقييد الاستثمارات أو الدعم العسكري.
5. حرب غزة كفرصة للضغط
اقترح ترامب تحويل غزة إلى “ريفييرا شرق أوسطية” تحت السيطرة الأمريكية، مع تهجير سكانها إلى دول مثل مصر والأردن، وهو ما رفضته السعودية بشدة وأكدت التزامها بحل الدولتين . تستغل واشنطن هذا الملف لإجبار الرياض على تبني مواقف أكثر مرونة تجاه إسرائيل، مقابل ضمانات أمنية أو اقتصادية.

تناقض الموقف الأمريكي
تعكس أوراق الضغط الأمريكية تناقضاً بين الرغبة في تعزيز التحالف الاستراتيجي مع السعودية والسعي لتحقيق مصالحها الأحادية. رغم ذلك، تواجه واشنطن تحديات بسبب تمسك الرياض بشروطها، مثل حل القضية الفلسطينية ورفض التخلي عن التحالفات المتعددة.
أوراق الضغط السعودية على الولايات المتحدة
تمتلك السعودية أدوات ضغط قوية في علاقتها مع الولايات المتحدة، بدءاً من النفط وصولاً إلى الاستثمارات الضخمة، مما يمكنها من تحقيق أهدافها السياسية والأمنية. في ظل عودة ترامب، تُظهر الرياض مرونة وحذراً في استخدام هذه الأوراق.
1. النفط كسلاح جيوسياسي
تسيطر السعودية على 17% من الاحتياطي النفطي العالمي، مما يمنحها قدرة على التأثير في الأسواق العالمية. في يناير 2025، طالب ترامب منظمة “أوبك+” برفع الإنتاج لخفض الأسعار، لكن الرياض رفضت، مؤكدة حرصها على مصالح المنتجين والمستهلكين . يعكس هذا الرفض رغبة السعودية في استخدام النفط كورقة ضغط لتحقيق مكاسب، مثل الحصول على ضمانات أمنية أو دعم لبرنامجها النووي.
2. استثمارات تريليون دولار كأداة تفاوض
أعلنت السعودية استعدادها لاستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، مع إمكانية رفع المبلغ إلى تريليون، لكنها تربط ذلك بتحقيق شروطها، مثل اتفاقية دفاعية واستثنائية في البرنامج النووي . تشير التقارير إلى أن الرياض تريد ضمانات بأن هذه الاستثمارات لن تُعرقل من قبل الكونغرس، كما حدث سابقاً مع صفقات الأسلحة .
3. الشرط الفلسطيني في التطبيع
ترفض السعودية التطبيع مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية، وهو ما أكده ولي العهد محمد بن سلمان في خطاب أمام مجلس الشورى عام 2024 . يُستخدم هذا الموقف كورقة ضغط لدفع واشنطن إلى ممارسة ضغوط على إسرائيل، خاصة بعد اقتراح ترامب تهجير سكان غزة، الذي وصفته الرياض بـ”المخالف للقانون الدولي” .
4. التعاون مع الصين وروسيا كبديل
تتعمد السعودية تعميق شراكاتها مع الصين وروسيا، حيث بلغت استثماراتها في الصين 120 مليار دولار عام 2023 . تُظهر الرياض أن لديها خيارات بديلة، مما يزيد من قوتها التفاوضية مع واشنطن، خاصة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا.

5. البرنامج النووي السلمي
تصر السعودية على حقها في تطوير برنامج نووي سلمي، مدعوم باحتياطيات هائلة من اليورانيوم. ترفض واشنطن هذا المطلب بسبب ضغوط إسرائيلية، لكن الرياض تواصل المناورة، مستفيدة من حاجة أمريكا إلى شراكات في قطاعات الطاقة النظيفة .
توظيف أرواق الضغط
تمكنت السعودية من توظيف أوراق ضغط متعددة لتحقيق توازن في علاقتها مع واشنطن، رغم التحديات. تبقى الاستثمارات والنفط والعَلاقات مع القوى المنافسة أدوات حاسمة في سياساتها التفاوضية، مما يضمن لها موقعاً مركزياً في المعادلة الجيوسياسية.
اترك رد